هنا
الفتى الحكيم
في زمن بعيد عاش
صبي يدعي اشيك توفي والداه فأرسله اهل القرية للعمل كراعي لقطيع من الاغنام عند
رجل موفور الثراء، ذات يوم وبينما هو في الطريق شاهد ضفدعة لها ساق مكسورة تزحف
علي الارض بصعوبة، تأسف لحالها واخذها معه الي الكوخ ليعتني بها، تولي رعاية
الضفدعة عدة ايام حتي شفيت ساقها تماماً ثم حملها الي جرف بحيرة قريبة والقاها
هناك.
شكرت الضفدعة الغلام وقدمت له حجراً وقالت : خذ هذا الحجر فإنه حجر مسحور، اذا
احاطت بك المصاعب في يوم من الايام اطرقه بالارض واطلب منه ما تشاء، وقدمت له
حجراً اخضراً صغيراً ثم قفزت الي البحيرة واختفت في مياهها، وضع اشيك الحجر في
جيبه وعاد الي القرية وعندما وصل هناك وجد فيها اضطراباً غير معهود، الناس تركض
علي غير هدي والنساء تبكي بينما تجمع امام بيت الرجل الثري كبار السن والاثراء
ووجهاء القرية وحكماؤها، وكان يقف امامهم احد الفرسان وهو يحدثهم بصوت مسمع ويقول
: ان كريخان يضمر لنا الشر، كان الجميع يعلم من هو جارهم الخان كريخان، الذي عرف
بقسوته وكثرة جنوده
سأل الحكماء الفارس عما يريده ذلك الخان فقال : انه
يريد اخضاع الجميع تحت سيطرته واسترضاءاً له ارسلت القري المجاورة هدايا باهظة
الثمن غير أنه وزياده في التعقيد وافق علي استقبال اولائك الذين يفدون اليه وهم
ليسوا راكبين علي حصان ولا علي جمل ولا مشياً وسط طريق او حقل، لذلك لم يعد احد من
اولائك الرسل وخسر الناس ممتلكاتهم والآن جاء الدور عليكم
.
فكر الحكماء طويلاً الا انهم لم يجدوا حلاً لتلك المعضلة
عندها تقدم اشيك وقال : اجعلوني رسولكم، غضب البعض في البداية ثم ضحكوا عليه
طويلاً الا ان احدهم سأله قائلاً : هل سمعت ما يطلبه الخان ؟ اجاب الصبي : نعم ولن
اذهب اليه بأية وسيلة مما ذكر، اعجب الجميع بشجاعة الصبي الذي طلب منهم اكبر
الماعز عمراً واطول الجمال رقبة في القرية هدية للخان ثم ذهب الي كريخان
.
عندما شاهد الخان الصبي يركب
علي المعزة استولي عليه الغضب وصرخ بالصبي قائلاً : ايها اللعين، كيف تجرؤ علي
الظهور امامي بهذه الحال ؟ اجاب الصبي بكل هدوء : ايها الامير، انا نفت رغبتكم، لم
أت علي حصان او جمل ولا مشياً وسط طريق او حقل بل جئتكم علي معز سرت بها علي حافة
من الطريق، صرخ كريخان من جديد : ايها الخبيت الم يجد اهل قريتك رسولاً اكبر منك
حجماً ؟! قال الفتي بهدوء : يا سمو الامير ان كنت ترغب في الحديث مع الاكبر فتحدث
مع هذا الجمل لأنه الاضخم والاعلي في قريبتنا، استشاط الخان غضباً وقال : الا يوجد
في قريتكم من هو اكبر منك عمراً، اجاب الصبر : ان كان حنابكم يريد الحديث مع
الاكبر سناً فهذه المعز اكثر من في قريتنا عمراً
.
ابتسم الخان بمكر وقال : حسناً سأصفح
عنكم ولكن غداً وقبل ان تشرق الشمس يجب أن تأتيني فدية من قريتكم، مئة حصان اسود
ومئة جمل ومئة جلباب مطرز وإلا عاقبتك وهجمت علي قريتكم ثم نادي علي الحراس وامرهم
ان يضعوا الصبي في زنزانة محكمة وان يتهيئوا للهجوم علي قريته في الصباح
.
جلس اشيك في السجن يفكر بما
سيحدث لقريته وفجأة تذكر الحجر الذي قدمته له الضفدعة فأخرجه من جيبه وضربه بالارض
وقال : ساعدني ايها الحجر، حضر للخان قدية مئة حصان اسود ومئة جمل ومئة جلباب
مطرز، ما ان نطق الصبي هذه الكلمات حتي خرجت من الحجر فتاة جميلة نظرت الي الصبي
وقالت : لا تقلق فقبل الصباح سيحصل الخان علي كل ما يريده، نظقت هذه الكلمات وعادت
من حيث خرجت وقبل ان يحصل الصباح شاهد الخان امام باحة قصره كل ما طلب من فدية،
فأخرج الصبي من السجن وقال له : لا اعرف كيف حققت لي ما ارغب برغم انه شئ يصعب تحقيقه،
ولكنني ادركت الآن ان مكري ودهائي يمكن ان يتغلب عليهما صغير مثلك .. عد الي
قريتك واخبر كل من تراه بأني صفحت عن الجميع
.
اسرع الصغير الي قريته فأستقبله
الناس بكل حفاوة وترحاب لأنه دفع عنهم البلاء واطلقوا عليه لقب : الفتي الحكيم ،
ومنذ ذلك الوقت ادرك الجميع ان الحكمة لا تقتصر علي كبار السن ذوي اللحي الطويلة
بل انها تأتي احياناً ممن هم اصغر سناً، اولئك الاكثر طيبة وشجاعة الذين بذكائهم
استحقوا احترام الآخرين .