اداب الحديث في الإسلام
وحين خلق الله الإنسان، جعل صلاحه أو ضلاله مرتبطا بصلاح أو ضلال لسانه،
ولذا ورد في الأثر أن أعضاء الإنسان تقول كل صباح اللسان: «اتق الله فينا
فإنما نحن بك، فإن صلحت صلحنا وإن اعوججت اعوججنا ، وقد بين سيدنا رسول
الله صلى الله عليه وسلم أنه لا يورد الإنسان موارد الهلاك إلا مزالق
وسقطات اللسان. ويتضح هذا حين سأله الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري الرسول
صلى الله عليه وسلم قائلا له : يا رسول الله أو نحن مؤاخذون بكل ما نقول،
فقال له: «نکلتك أمك أي فقدتك وهل یکب الناس في النار على وجوههم. أو على
مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم .
والله تبارك وتعالى يعلن أن كلمة اللسان ترفع صاحبها حتى يكون عنده
تعالى في منزلة عالية، حيث يقول تعالى: (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل
الصالح يرفعه…) فاطر:۱۰. وحتى يكون الحديث معبرا عن صاحبه، جاءت تعاليم
الإسلام بمجموعة من الآداب الإسلامية، لتجعل الإنسان صاحب قيمة في عيون
الناس.
فمن أدب الحديث أن يكون جادا لا هزلا، فلا يليق بالمرء أن يكون الهدف من
حديثه إضحاك الناس. فذلك خوض في الباطل، فلقد قال عمرو بن دينار، تكلم رجل
عند النبي صلى الله عليه وسلم فأكثر، فقال له صلى الله عليه وسلم: «كم على
لسانك من حجاب»؟ فقال: شفتاي وأسناني. قال: «أنما يرد كلامك والذي لا شك
فيه أن الحديث إذا كان مفيدا جادا هادفة، رفع الله صاحبه إلى درجات علا،
وأحبه وحبب إليه الناس، ولهذا كانت الجدية في الحديث مطلبا ربانيا كما جاء
في القرآن الكريم: (يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قول سديد يصلح لكم
أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما)
الأحزاب: 70 – 71 .
والفرق كبير بين كلمة تصلح بها بين متخاصمين، وبين كلمة تزرع بها الشقاق
بين متصالحين، فليس كل حديث له في ميزان الله ثقل أو وزن أو ثواب أو أجر.
وإنما الأجر والثواب لكل حديث يراد به وجه الله تعالى: (لا خير في كثير من
نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء
مرضاة الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما) النساء 114.
وجاء حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه البخاري ومسلم عن
أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال: «كل سلامي من الناس عليها صدقة
والسلامى هي كل عظم صغير في أصابع اليدين والرجلين». كل يوم تطلع فيه الشمس
تعدل بين الاثنين صدقة، ويعين الرجل على دابته فيحمل عليها أو يرفع عليها
متاعه صدقة. والكلمة الطيبة صدقة. وكل خطوة يخطوها إلى الصلاة صدقة. ويميط
الأذی عن الطريق صدقة».
وإذا كانت النميمة من الحديث المذموم المرذول الذي يفرق ولا يجمع، فرسول
الله صلى الله عليه وسلم يعتبر أن الحديث بالنميمة الإصلاح ذات البين أو
لجلب محبة بین زوجين أو بين صديقين. هو حديث لا إثم فيه ولا حرج، بل هو
مطلوب و مرغوب.
تقول أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط. رضي الله عنها، أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال: «لم يكذب من نم بين اثنين ليصلح». وفي رواية: ليس بالكاذب
من أصلح بين الناس فقال خيرة أو نه خيرا رواه أبو داود .
ومن أدب الحديث أن لا تستأثر بالمجلس دون الآخرين، بل من الأدب أن تفسح
مجالا لأحاديث غيرك، فلا تكن ثرثارة حتى لا يكون حديثك تمجه آذان السامعين
وأيضا لا تكن متشدقا بالحديث، ومتكلفا فيه، فأدب الحديث يدعوك إلى سلاسة
الكلام، لا التعمق ولا التنطع فيه، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إن أبغضكم إلي وأبعدكم مني مجلسة الثرثارون المتفيهقون المتشدقون في
الكلام» رواه أحمد.
0 comments:
Post a Comment