قصة الوزير العادل والمزارع المسكين

قصة الوزير العادل والمزارع المسكين

 

جلس رجل في مجلس الوزير محمد بن عبد الملك، وقد دخل عليه جمع من الناس لهم مظالم وقضايا كثيرة ومتعددة، فكان يقضي بين الناس، ويرفع عنهم المظالم وظلت القضايا تتوالى عليه وهو يحكم فيها بالعدل إلى أن فرع ديوانه من الناس إلا من رجل عجوز صامت لا يتكلم فلما وجده الوزير وحيدا ظن أنه بحاجة إلى مال وليس له مظلمة، فنظر إليه وسأله: ألك حاجة في مال أو طعام. فقال الرجل: لا، بل لي مظلمة.

تعجب الوزير وقال: ولكن لا أرى إلا طرفا واحدا في المظلمة ، أين من ظلمك؟  قال الرجل: وهو خائف يرتعد إنه هنا في هذه القاعة التي تجلس فيها أيها الوزير فقال: أين من ظلمك يا رجل؟ لا أجد في القاعة غيري وغيرك قال الرجل: ومن يعطيني الأمان إذا ذكرت من ظلمني.. قال الوزير: عجية لك ألا تجد عندنا حماية حتى تطلبها من غيرنا؟
قال الرجل : حاشي لله أن يكون ذلك، ولكن هيبتك تمنعني وفصحتك تلجم لساني، فضحك الوزير : نحمد الله علي ما قلته، ولكن قل ولا تخف هيبتي، ولا تخش الا الله عز وجل، فأنا وأنت بشر تتساوی معا في عبوديتنا الله قال الرجل في نفسه، لقد وضعت نفسي في مازق شديد فكيف أقول له إنك أنت الذي ظلمتني أيها الوزير، وهو رجل عادل وإن كان الظلم الذي وقع علي لم يقع منه مباشرة، ولكن الذي ظلمني هو عامله وحارس ماله، وهو بالطبع أحب إليه مني، فلا يعقل أن ينصرني عليه وهو خادمه وحارس ماله، وبينما كان الرجل يفكر في أمره سمع صوت الوزير يقول له: هيا أعرض مظلمتك أيها الرجل ولا تماطل فقال: لقد كان لي بستان خصب، وقد أخذه عاملك ووکیلك بالقوة، بعد أن أخذ أرضي ولم يدفع لي ثمنه.
فقال الوزير متعجبا: ولماذا لم تشك مظلمتك فورا. قال الرجل: خفت من بطش صاحبك وقوته.. قال الوزير: ومن يدفع خراج هذه الأرض لبيت المال قال الرجل: أنا أيها الوزير،  حتى يظل اسمي مسجلا كصحاب لهذا البستان. قال الوزير: ومن يجني محصولك ؟ قال الرجل : صاحبك ورجاله، فبدت علي وجه الوزير علامات الضيق ونظر بعيداً ثم قال متوعداً : تدفع الخراج ونأخذ البستان وغلته .
ثم قال الوزير: هل أنت متأكد من هذا أيها الرجل؟ فاستجمع قواه وقال: نعم يا سيدي … وأؤكد لك ذلك. قال الوزير: وما الدليل على صدق ما تقول …؟ قال الرجل: إني لأجد الدليل والشاهد ماثلا بين يديك وريما لا تراه أمامك واضحا الوزير الدليل أمامي أين هو؟ الرجل: الخراج يا مولاي والبستان يا مولاي، وصاحبك ألا تسأله؟… هل ينكر الخراج الذي أدفعه شعر الوزير بالحرج الشديد، ولام نفسه لأنه طلب من الرجل دليلا وقد كان من الأحرى أن يترك أدلة الرجل الواضحة ويستدعي عامله ووكيله ليؤكد قول الرجل أو ينفيه انظر الوزير في هدوء بدا منه أنه اقتنع بقول الرجل، لكنه يبحث عن الحل الأمثل الذي يرضي الله سبحانه وتعالى ثم قال الوزير أشعر بصدق حديث، وقوة أدلتك وشهود لك، وكان علي أن أكتفي بما قتله عن دفعك لخراج هذا البستان فقال الرجل: إنني أشك، والله اعلم انك تريد أن تضع امامي العقبات لأن البستان لم يعد من اموالك الآن .
نظر الوزير الي حراسه وقال في حزم : احضروا عاملي هذا على وجه السرعة، فجاء الرجل ولما سأله الوزيره لماذا فعلت هذا ؟ قال: إن بستانه يقع وسط أرض الوزير الواسعة المترامية الأطراف، فلا يعقل أن نتركها لغيرك وهي في أرضك  تعجب الوزير من رد عامله، توعده بعقاب على هذا الأمر الذي جعله ظالمة جائرة على حقوق الناس، ثم نظر إلى صاحب البستان قائلا: يرد إليك بستانك
فرح الرجل ووقف يشكر الوزير على عدله، فقال الوزير في لطف وحزم: لم أنته بعد من كلامي أيها الرجل الطيب.. ثم أردف قائلا: وترد إليك غلتها منذ أن استولى عليها وزیرنا، فأنت تدفع العشر خراجا، لذلك فسوف تضاعف الخراج عشر مرات وبهذا تحسب غلتك التي أخذناها .
فقال الرجل: گفي أيها الوزير لقد أخذت حقي. فقال الوزير: لا… بقي شيء آخر؟ قال الرجل: وما هو؟ قال الوزير: علينا أن نتفق على تعمير أرضك وإصلاحها فلربما نكون قد أهملناها ونحن نزرعها وعليه فقد قررت أن اخصص لك ما يصلحها ويعمرها، سعد الرجل بعدل الوزير الذي مكنه من أخذ حقه وشكر له هذا الامر وانصرف راضياً .

0 comments:

Post a Comment