قصة أحسن الناس وجوهاً - من قصص السيرة النبوية

أحسن الناس وجوهاً





لم ييأس النبي – صلى الله عليه وسلم – من استجابة قومه للإسلام فعلى الرغم من عنادهم وإيذائهم استمر في نصحهم ودعوتهم إلى عبادة الله وحده، والايمان به. ولكن أكثر القوم كانوا من المعاندین، ووقفوا يردون الناس عنه. ولما كانت مكة ملتقى الناس يفدون إليها في موسم الحج وللتجارة كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يعمل على اللقاء بالقادمين إليها، ويخرج إلى تجمعاتهم يبلغهم الإسلام، ويدعوهم إليه. وخشي المشركون أن يستجيب الناس له، فكانوا لا يسمعون بأحد دخل مكة إلا أرسلوا إليه من يكلمه ويحذره من أن يسمع شيئا من النبي – صلى الله عليه وسلم. ووفد في تلك الفترة رجل شاعر اسمه الطفيل ابن عمرو الدوسي فحذروه ونفروه، فعزم الطفيل ألا يسمع من الرسول الكريم ولا يلتقي به، ولكن الله تعالى شاء أمرا آخر.

فقد مضى الطفيل ليطوف بالكعبة – كما كان يفعل العرب – و إذا الرسول – صلى الله عليه وسلم – قائم يصلي عندها. فاقترب منه على حذر، وجعل ينظر إليه ويعجب من خشوعه واطمئنانه وهو يتلو آيات الله. وكان الطفيل قد وضع في أذنيه قطنا كي لا يسمع شيئا فحدثته نفسه أن يسمع ما يقوله محمد، وبدا له أن ينزع القطن من أذنيه فانساب صوت النبي – صلى الله عليه وسلم – جميلا مؤثرة وتغلغلت كلمات القرآن إلى قلبه، فأحس بالطمأنينة بعد خوف، وبالسكينة بعد اضطراب!! وقال في نفسه: ما أجمل هذا الكلام! إنني لم أسمع مثله من قبل، ولا عرفت له شبيها، وإنني امرؤ شاعر لا يخفى على حسن الكلام من قبيحه، فما الذي يمنعني من التكلم مع محمد وسؤاله عما يدعو إليه.

وحين توجه النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى منزله لبث الطفيل قليلا، ثم التفت يمينا وشمالا، ولما لم يجد أحدا من قريش مضی خلفه، ودخل المنزل وراءه فأنس بترحيب النبی به وقال: يا محمد! إن قومك قالوا لي عنك ما يقولونه لكل قادم إلى مكة حتى خشيت أن ألقاك، وأسمع منك، ثم أبى الله إلا أن يسمعني، فوجدت ما تتلوه حسنا؛ فإلى أي أمر تدعو سر الرسول – صلى الله عليه وسلم – بذلك وعرض عليه الإسلام وعلمه سورة من القرآن فقال الطفيل، وقد شرح الله صدره للإسلام يانبي الله إني امرؤ مطاع في قومي، وأنا راجع إليهم وداعيهم إلى الإسلام، فادع الله أن يجعل في آية تكون في عونا عليهم فيما أدعوهم إليه. فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم: اللهم اجعل له آية.
رجع الطفيل إلى قومه وقد ظهر نور بين عينيه كأنه المصباح فدعا الله أن يجعله في غير وجهه فاستجاب له وجعله في رأس سوطه كأنه القنديل المعلق، فأقبل على قومه وهم ينظرون – فأعلن لأبيه ولزوجته أنه ليس بينه وبينهم نسب ولا قرابة حتى يؤمنوا فآمنوا ففرح الطفيل كثيرا إذ أنقذهما الله من الكفر وعبادة الأصنام وصارا مسلمين موحدين ولكنه لم يقر له قرار فإن قومه غارقون في الضلالة، منشغلون في لهوهم وعبثهم، وهو لا يتوقف عن دعوتهم وترغيبهم بالإسلام. فمضى إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – يسأله أن يدعو عليهم، ولكن الرسول الكريم قال: «اللهم اهد دوسا، وأمره أن يرجع إليهم، وأن يدعوهم ويكون بهم رفيقا.. فعاد الطفيل ولم يزل يدعوهم ويحسن إليهم، ويتطلف بهم حتى أقر الله عينه باستجابة عدد منهم كانوا يزدادون مع الأيام..

ومضت سنوات وهو فيهم حتى بلغه أن النبي والمؤمنين به هاجروا إلى المدينة.. ثم بلغه ما حققه المسلمون من انتصارات في معركة بدر وأحد والخندق.. فعزم على القدوم إلى المدينة مع من أسلم معه، وحين وصلوها قيل لهم إن النبي – صلى الله عليه وسلم – في خيبر، فمضوا إلى خيبر، وحين رآهم النبي – صلى الله عليه وسلم – خرج بهم وقال: مرحبا بأحسن الناس وجوها وأطيبهم فماً ولم يزالوا مقيمين معه حتي فتح الله علي المسلمين حصن خيبر واذل اليهود، فجعل لهم الرسول صلي الله عليه وسلم نصيباً من الغنائم، ورجع المسلمون المنتصرون مع نبيهم الي المدينة بفرحتين، فرحة النصر علي اليهود وفرحة قدوم المسلمين من قبيلة دوس إليهم .


0 comments:

Post a Comment