بك أو بدونك
سأبقى مزهرة، سأستمر
فـ لست أنا من خسر..~
سأبقى مزهرة، سأستمر
فـ لست أنا من خسر..~
-"وطبعا سيشرفني حضورك الحفل"
اتبع جملته بابتسامة تصنع بها البراءة، ودفع كرت الزفاف امامها لتتأمله نظراتها الكسيرة... أخذت نفسا عميقا واغمضت عينيها لتمنع الدموع، فتحتهما لتفتح معهما ابواب الجحيم في قلبه ... وقفت وقالت:
-"هذا ليس غريبا عنك أبدا...مبارك الزفاف مسبقا"
عصبيتها التي لطالما كانت تسيطر عليها، تركتها ترقص براحتها الى يديها...امسكت كأس الماء عن الطاولة ورشقت ما بداخله على وجه من يسمى "حبيبها" قالت بهدوء عكس النار التي تشتعل في قلبها:
-"وهذه مباركتي الخاصة"
سحبت حقيبتها الصغيرة ومشت بخطوات سريعة مبتعدة عنه...أوقفت سيارة أجرة ثم اختفت من امامه فيها...
ظل يتأمل المكان التي كانت فيه لثواني ، مسح وجهه بالمنديل ثم وضع المال على الطاولة ومشى على الرصيف الى حيث تقوده قدماه، لا يمكن ترجمة ملامحه ولا نظراته...
التفت للخلف لعله يراها تقف وتنتظره، ربما لو نطقت كلمة تعبر عن رجاءها لبقاءه...ربما لو قالت انها تحبه وتحتاجه...لو اشبعت غروره ونرجسيته...لو فهمت استفزازه، ربما كان سيترك عروسه تلك ويبقى معها...لكن ايضا هو لم يتوقع منها الا الرد العنيف...ليست هي من تتنازل، لم تتنازل يوما!
وخلف نافذة سيارة الأجرة ، كانت تمسح دموعها وتحاول تجبير قلبها وهي تذمه بهمس:
-"لطالما كان سيئا، لطالما افتعل المشاكل معي، لطالما تجاهلني، كان الفراق منه .. هذا لصالحي...أجل لصالحي!"
عضت شفتها السفلى لتمنع باقي أكاذيبها ... ارخت رأسها على الكرسي لعلها تنام ولا تستيقظ ابدا ، مع صدع عظيم داخلها .
~~**~~
خرج من المحكمة بعد أن انتهى من خطوات الطلاق المزعجة تلك...وضع يديه في جيوبه وهو يحدق في السماء المتبلدة بالغيوم...
بدأ ينزل السلالم ببطئ ، حتى استوقفه صوت يعرفه جيدا
-"يمكننا البدء من الغد اذا اردت"
التفت يمينا، ليراها تقف بروب المحاماة وتتحدث مع رجل ما...اقترب اكثر وهو يسمع كلامها
-"لا...اطمئن سيدي، هناك ثغرة قانونية ويمكننا استغلالها"
ظل يقترب بتردد ، وعندما صافحها الرجل وابتعد أخيرا...تمكن من الاقتراب اكثر واكثر، قال بلهفة من خلفها:
-"أنتِ هنا!"
بقيت ثابتة دون حركة لعدة ثواني...حتى خطت خطواتها للأمام متجاهلة هذا الصوت الذي أيقظ فيها الكثير...قال بصوت أعلى وباصرار:
-"لا تتهربي، لم انساكِ بعد"
استدارت اليه لتقول بهدوء :
-"تتحدث معي؟"
اقترب منها اكثر حتى خجلت المسافات وهربت ولم يبقى الا القليل!...قال بعقدة حاجبيه:
-"أجل أتحدث معك، هل هناك غيرك أعرفه هنا؟!"
-"لا أعرفك"
صمت بتفاجؤ من اجابتها..قال بانفعال:
-"كاذبه، تعرفينني"
اخذت نفسا عميقا لتقول ببرود:
-"لم أعد أعرفك منذ ربيع العام الماضي"
ارادت الابتعاد، لكنه امسك يدها وقال بشوق أكبر:
-"أنا أريدك!"
سحبت يدها منه بعنف وقالت بعصبية:
-"وأنا لم أعد أريد خائن مثلك"
لم تدع له المجال للكلام...ودخلت بين جدران المحكمة ، حيث لا يمكنه مساسها.
~~**~~
بعد انتهاء الشتاء وحلول الربيع من جديد...
تقف مدافعة امام القاضي بصوت كاد يهز السقف من صخب ثقته:
-"وهذه الأدلة كافية لتبرهن براءة موكلي سيادة القاضي"
حل الصمت في القاعة لبعض الوقت ، ثم طرق القاضي بمطرقته الصغيرة بعد ان تشاور مع الآخرين ليقول:
-"يحكم للمتهم بالبراءة"
يقف خلف القضبان ويراقبها بألم داخلي عظيم...عندما سمعت عن مصيبته وضعت نفسها محامية له دون ان تترك له فرصة للاعتراض او الموافقة حتى، ودون مقابل!
وبعد انهاء الاجراءات ، يقف امامها بألم وحرج فظيعين غير قادر على تثبيت نظره في عينيها لأكثر من ثلاث ثواني...قالت بهدوء:
-"أرجو ان تبتعد عن الشرب ، وابتعد عن الشباب امثال ذلك الوضيع...لن يترددوا بالقاء كل التهم عليك دون ضمير"
صمت لثواني ليقول بصوت خافت قد بُحّ من تعب الشهور الطويلة:
-"شكرا"
-"لا داعي لشكري...سأحاول ان اتواسط لك لأعيدك الى رأس عملك الذي فقدته بتهورك"
-"لماذا تفعلين هذا لأجلي؟...رغم كل ما فعلته بك؟..ألست تكرهينني؟!"
شدت بقبضتها على الحقيبة في يدها وقالت بنبرة لا يخفى فيها الحزن:
-"الحب أبدا لا يصبح كرهًا ... لكنني أردت ان تثبت لك الحياة سقوطك بدوني...أعلم أنك تألمت كثيرا، وانا نجحت كثيرا ، لا يعني هذا انني اسامحك...لكن حبي لك لن يسمح لي بأن أراك تؤذى دون تدخل مني..."
أكملت جملتها واستدارت مبتعدة عنه...لتتركه في دوامة ضياعه التي لم تفتأ تدور به وتُجمد ضلوعه منذ تلك اللحظة التي رشقت بها الماء عليه...
يندم وينهار...ودموعه تتوسل السقوط...
جلس على الكرسي القريب، ليحيط رأسه بيديه...ويترك نفسه عرضة لسخط الحياة..!
0 comments:
Post a Comment